
كل عيد وأنا أحبك
في هداة الأشواق وفورة النبض
ينتابني خدر القصيدة
وخدر الحرف
لأقول لك :
"كل عيد وأنا أحبك"
أحب الحروف المغموسة في شفتيك
أحب تسابيح الضوء الدائرة حول محياك
في العيد
أجمع بسمات الأطفال
وغصون الأمل
ورائحة الفرح الطفولي
وردة وردة .. قطرة قطرة ..
لأقول لك :
"كل عيد وأنا أحبك"
*****
في العيد..
في هدأة العيد ورائحة التبغ تجمعنا
كفراش حول ضوء القصيدة ..
أختصر كلمات العشق
وكلمات الشعر والغزل
لأباركك بكلمتين ..
"كل عيد وأنا أحبك"..
*****
في هدأة العيد..
تتزاحم الأشواق في قلبي
والنبضات
ولحظات اللقاء..
لأقول لك:
"كل عيد وأنا أحبك"..
أحب لون شفتيك الخمريتين
أحب هدأة الغروب في عينيك
أحب عطرك الياسميني
أحب خطواتك الموسيقية
وصمتك .. وأنت تتكلمين ..
أحبك في العيد . وفي كل عيد ..
أحبك
أحبك..
وكل يوم فيه أحبك .. هو عيد ...
(بالتعاون مع قلم الصديق الشاعر/ يوسف حيدر)
القصيدة كتبت في شهر مايو 1998 في معتقلات البحرين ... تحكي قصة طفل أحد المعتقلين في نفس الزنزانة التي أقطنها وقد فتح عينيه على الدنيا ووالده هناك .
هناك في المعتقل ..
أبتاه ..
شكواي الأليمة هذه
سيبثها وجع النداءْ
أبتاه لم (أحظى) بنور وجهك والضياء
***
أبتاه..
ليت شموع عينك تسطعُ
وشعاع جبهتك المنيرة يلمعُ
وخيوط شمسك تطلعُ
ولأجل عيني طفلك المحروم
من ذاك الحنانْ
ولأجل من ربته
راحات الشقاء بذا الزمان
ولأجل من ألقوه في
حضن الظلام بلا ضياءْ
***
أبتاه..
عينيِ تنظرُ
طفلاً صغيرا يمرحُ
وذراع والده حريرٌ لفه..
فيهيمُ فيه ويسرحُ
ويطير في الأفق العليِّ بقبلةٍ
وشفاه والده على خديهِ تتَّشحُ
فتشد راحته البريئة
لحيةَ الأبِ في دلالٍ
وفي وفاءْ
***
أبتاه..
كم من مرةٍ عيني تشاهد
حسرة أطفال حيّي يمرحونْ
فأتوقُ لو أني أخوضُ وألعبُ..
ما يلعبونْ
لكنْ أبي..
صعبٌ على الأحلامِ أن
تكسُو العيونْ..
فأرى لذاكَ الطفل والدهُ
يُداريهِ
وإذا اكتفى مرحاً
يناديهِ
"هيا إليَّ حبيبيَ الغالي"
حيناً يُقبلهُ..
وباللطفِ يحاكيهِ
أمّا أنا
وحدي..
تتلاطم الآهات في وجدي
ومدامعي شلال حزنٍ
فاضَ من عيني
منْ لي لِيمسحَ دمعتي؟
من لي يقبل وجنتي..
ما لي سوى لون الغروب يجفف حزني
كفي الصغيرة للإله
تقولُ: "خذ مني الدعاءْ"
***
أبتاه..
أَرْجَعَ ذلك الماضي وقلبي يكسرُ
فاليتم لي شبح مخيفْ
وتظلُّ حرب اليأسِ لي
وغبارها يتطايرُ
وإذا انجلى قطر الضبابِ
مدامعي تتحادرُ
وعلى تراب الهم يُرسمُ لي
طيفاً ملاكياً
لخدِّكَ يا أبي
فيصيرُ لي دفء الدواء
***
أبتاه...
ما لي كلما ناجيتُ قلبكَ لا يُجيبْ
أبتاه "مالِ" صباحك الممنوع عني والمغيبْ
أنسيت طفلك؟!
لا يراودني بأن أباً
سَينسىَ ذلك الطفلَ الحبيبْ
أبتي ظمئتُ فروِّني
فعناقك الأبويّ يَرْوِيني كماء السلسبيلْ
وحنانُكَ الأبويّ حُلماً مِنْ خيالي..
ليتني أحظى له أدنى سبيلْ
فبودِّ طِفلكَ لو يفوز بقبلة جمّاءَ
من فمكَ الخَميلْ
وبودِّ طفلك لو إلى الصدرِ الحنونِ تضمهُ
بذراعك الأبديّ
كي تنسيه أيام الشقاءْ
أبتاه..
يا أبتاه...
شاءت الظروف والأقدار أن يكتب لي أن أتوجه في ذلك اليوم إلى لبنان.. كان ذلك في العام 2000 قبيل الاندحار الصهيوني من الجنوب .. كنت حينذاك في سوريا، حينما اتفقت مع صديقي السفر إلى بيروت واتفقنا على الجزيئيات.
هو الآخر – صديقي- لم يغفل جانبا من الإرشادات التي أولاني إياها والتي قمت بإتباعها خطوة خطوة رغبة في الوصول إلى المنطقة المنشودة ونلتقي هناك ويستلمني ويكمل معي المشوار ..
توجهت صباحا عند السابعة إلى محطة سيارات الأجرة (التاكسي)، وحجزت مقعدا في إحدى السيارات التي كان ينقصها فرد واحد لتتحرك، فبمجرد أن وافقت على عرضه لي واتفقت معه على نقلي إلى بيروت حتى سمعت البعض ممن داخل السيارة يهللون (ويجببون) فرحا بأن الفرج قد حان وأنهم أخير سيتحركون.
ركبت السيارة، لكني تفاجأت بأن جميع من كانوا في السيارة هم من المقاسات (XXL) ! ما عدا السائق وأنا الذي كدت أختفي وأنا أجلس تحت إبط أحدهم ، فيكفيني أن يكون حجمي النحيف تحت ذراعه التي كانت بحجم فخذاي معا، ولست هنا أود الحديث عن كمية العرق التي كان يفرزها من تلك المنطقة، والذي أعتقد أنه بسبب تلك الرحلة بدأ ينمو الشيب الناصع في شعر رأسي! ناهيك عن ذلك العجوز الفسّاء الذي كان ثقيل الأذن قليلا وكان سمعه متعبا.
كان الجميع في تلك السيارة من (ضيعة) واحدة في الشام، حتى السائق كان من ضمن جيرانهم، وكنت أنا الأوحد بينهم غريبا وصغير السن والحجم معا، لذلك بقيت طوال الرحلة ساكتا لم أتفوه ببنت شفة، وهم كذلك كانوا يظنونني (إيرانيا) بشكلي لولا رؤيتهم لجواز سفري عند الحدود ..
دخلنا إلى لبنان ومررنا على البقاع، وكانت الأرض الخضراء والجبال العالية من أجمل المناظر التي لم أشاهدها إلا من خلال الشاشة وبدأنا نطوف عليها وأنا الوحيد الذي كنت أنظر بكل تمعن وانتباه شديدين وأحيانا بشيء من الدهشة مما كانت عليه هذه الطبيعة ! سبحان الله ..
عند منطقة (شتورة)، وفي أول استراحة توقف فيها (التاكسي) كان صديقي (حسين) ينتظرني هناك ليقلني بسيارته الإيجار لباقي المشوار، لكني طلبت منه أن نبقى في هذه الاستراحة الجميلة لتناول وجبة الإفطار كوني خرجت مبكرا قبل أن أدخل في معدتي ولو قطعة خبز.. وبقينا وطلبنا بعض السندويشات الخفيفة upload وبعد الانتهاء من الإفطار اضطررت إلى أن أتوجه إلى دورة المياه download !!
استأذنت صاحبي وهو كان يدخن سيجارته وتوجهت بحثا عن دورة المياه في تلك الاستراحة المترامية الأطراف الشاسعة ، وأخير وجدت دورة المياه لكنها غير معنونة بيافطة تدل إن كانت مخصصة للرجال أم أنها للنساء! لكني في تلك اللحظة شاهدت رجلا يخرج فاطمئن قلبي ودخلت وكلي ثقة أنها دورة مياه للرجال !
قضيت حاجتي من كلى المستويين ولبيت نداء الطبيعة، تذكرت أن صاحبي حسين لم يضف من ضمن إرشاداته المفصلة بأن الحمامات في معظم استراحات لبنان العامة (ليس فيها ماء) ! وأنهم يقتصرون على استخدام المحارم الورقية عند قضاء الحاجة من الدرجة الثقيلة، ولا يحتاجون إليها إذا كانت من الدرجة الدنيا!
يا لهوييييييي .. كيف أتصرف في هذه الأثناء؟ هل أرضخ إلى هذه الضغوط وأستخدم المحارم؟ كلا وألف كلا! فآليت على نفسي أن أنادي بأعلى صوتي لعل أحد الرجال يسمعني، أو لعل صديقي حسين يفتقدني لتأخري في الحمام ويأتي للبحث عني وتنتهي المشكلة! وبقيت على وجل أنتظر سماع وقع خطوات أي كان لأنادي بصوت طالبا قنينة (غرشة) ماء .. لكن حظي العاثر جعلني أنتظر لفترة لا تقل عن 5 دقائق!
أخيرا جاء الفرج !
سمعت صوت الخطوات تتقدم نحوي ببطء ، ارتاح قلبي وانطلق صوتي بدون قيود (بنحنحة) كخطوة أولى، لكني صدمت جدا جدا جدا حينا عرفت أن القادم نحوي هو ( امرأة ) !! حينها تيقنت أن هذه (دورة مياه للنساء) ! فانعقد لساني وأحسست بأنني بحاجة لأن ينطبق علي سقف الحمام ولا أجد نفسي محرجا أمام مجموعة من النساء!
بقيت أيضا مدة لا تقل عن 3 دقائق وأنا أتكتم حتى على أنفاسي حتى لا تسمعني إحدى (الستات) وتقيم الدنيا على رأسي، وبمجرد أنني تأكدت أن دورة المياه عادت خالية مرة أخرى، حتى سمعت صوت حسين يناديني بالقرب من الحمام وناديته وسلمني المياه وانتهت أزمة الحصار تلك ..
خرجنا بالسيارة وتوجهنا إلى بيروت حيث السكن وأنا ألومه على ما حصل لي من موقف محرج جدا، وتعهد لي أن يخبرني بكل التعليمات في أي خطوة أريد أن أقدم عليها خصوصا وأنه قد عاش للدراسة في لبنان 3 سنوات قبل قدومي إليها..
مضت بضع أيام على مكوثي في بيروت، واقترح أحدنا أن نخرج للتمشي على سواحل بيروت بالقرب من (صخرة الروشة)، وبعد ذلك توجهنا إلى العشاء في أحد المطاعم، حيث طلب حسين سندويشة شاوراما واحدة فقط، في حين طلبت أنا سندويشتين لأن واحدة لا تكفيني وأنا النحيف، واستغربت كيف سيشبع صديقي حسين بواحدة فقط!
رأيته مستنكرا لطلبي سندويشتين وكرر على مسامعي سؤاله ( أنت متأكد أنك تريد 2 )؟ فأجبته بنعم! لكن داخل قرارة نفسي بدأت أشعر بأنه ربما لم يكن يملك مبلغا يغطي مصروف العشاء، مع العلم أننا نتشارك عادة في المصروف!
انتظرنا قليلا حتى وصل الطلب!
ياربيييييييي !!!!! الآن فقط عرفت سبب صدمة صديقي من طلبي لسندويشتين وليس واحدة !
كانت السندويشة الواحدة طولها لا يقل عن 30 سنتيمترا وسمكها لا يقل عن 7 سنتيمتر!
وحضرته ... لم يخبرني بأن حجم السندويش لدى هذا المطعم بهذا الحجم !!
وعيدكم مبارك مقدما ..
فيما يلي ترجمة الأنشودة الصوتية من الفارسية إلى العربية:
اليتامى ظرفهم أليم
سـاكـتـيـن ورأسـهـم لـلأرض
والـحـزن أثقل أكـتـافـهـم
دموع العين عـلـى الوجنات
ويأنون حزنا على أبـيـهـم
ذلك الـذي كان يـأتي وحيـد فـي الليل
وعـلـى كـتـفـيـه خـبـز وتـمـر ..
الآن عـرف الـيـتـامـى مـن هو
ذلـك الـذي كان يـأتي فـي الليل مـتعبا
يـأتـي ويـطـعـمـهـم
الآن قـد فـهـم الـيـتـامى أنـه كـان "علي"
إحـمَـرَّت الـسـمـاء
وقـلـوب الـجـمـيـع منكسرة
والقـلـوب منفطرة
والعـيون جائعة تترقب درب أبيهم
لـمـاذا لـم يـأت لـيـطعِـمهُـم؟
دون وجـوده لا يـريـدون الدنيا
حـيـاتـهـم فـداء لأبـيـهـم
والـجـمـيـع إليه يـسـارعـون
قـلـبـي فـاض بالامنيات
والـلـيـل حل والـضـلام
الـلـيـلـة هي لـيـلـة (الـمرادي)
لا تـبـك يـا إبـنـتـي
دموع الشوق بـاتـت فـي العيون
وفـاطـم آتية
إنها تـعـلـم بالحال
الـلـيـلـة سـوف تـأتـي لـمـصابي
سأبـقـى مـسـتـيـقـظـاً أنـتـظـرهـا
بـعـد لـوعـة قـلـبـي
وشـدة الألم
طـول السنوات والـغـيـاب.
منذ الطفولة نسمع عن بعض العمال الوافدين من الدول الآسيوية على أنهم يمتازون بدرجة عالية من (التفكير المتأخر) والعقليات (الضحلة) المتوقفة عن الاستنباط . وكأنهم موديلات منتهية من أجهزة الحاسوب ذوي السرعة ( k.b486) قبل أن يولد نظام التشغيل التقني Windows آنذاك وقبل خلق البانتيوم ..
البعض الآخر من هؤلاء الوافدين كان يتسم بحرارة الأعصاب والحماقة بكل معانيها .. وبمجرد أن تحاول المزح معه أو لمجرد أنه يفهم منك أن تستهجنه قد تثور ثائرته وقد تتحمل مسؤولية ماجنيت على نفسك !! فهؤلاء (خيرة القوم) الذين أراد لهم علية القوم هنا التمكين في هذه البلاد الطيبة .. ولا مجال لمن كان على تربتها منذ الأصول أن يتنفس .
ذات مساء حين كنا على ساحل قرية "البديع" أقصى غرب العاصمة المنامة، حان وقت العشاء وتوجهت مع أحد الأصحاب إلى أحد المطاعم الصغيرة في تلك المنطقة .. دخلت وسألت العامل الأسيوي (ماركة بنجلاديش) ، وكم هي معروفة هذه الماركة بحماقتها الزائدة عن الحدود .. وذكائها السلبي المستفحل !
سألته إن كان هناك إمكانية أن يعمل لي سندويش (دجاج بدون مايونيز)!
بمجرد أن سمع هذه الكلمة وكأني به قد انطبقت عليه السماء وغاص في الأرض سبعون ذراعا شططا!
تسمّر في أفكاره هنيهة ورد علي قائلا: مايصير رفيق ! مايسوي أنا دجاج بدون ميونيز!
كررت سؤالي عليه وحاولت أن أقنعه بأن بإمكانه أن يضح قطع الدجاج وأن يضع الخضار والكاتشب وألا يضع الميونز ..
قال لي: مايصير رفيق والله مايصير، أنا في أرباب يقول لازم خلي مايونيز مثل اللي مكتوب في القائمة!
ياإلهي مالعمل الآن !!
شتى الوسائل عجزنا أنا وصاحبي لإقناع هذا المخلوق ! وحين اعتلى صوتنا وصراخنا بعض الشيء، التم حولنا 3 من العمال في ذلك المطعم ! حاولنا ان نوصل الفكرة لأحدهم بأن بإمكانه أن يضع الدجاج من دون ميونيز! لكن محال طلبنا .. فجميعهم أصروا على عدم إمكانية التوصل إلى حل لهذه الأزمة .. فقررنا التالي :
اقترحت على ذلك العامل أن يعمل على تجهيز الوجبة خطوة بخطوة تحت مراقبتي الشخصية .
قلت له :
1- افتح (الروتية/الصمونة) - الخبز .. فتحها ..
2- ضع قطعة الدجاج .. وضعها ..
3- ( في هذه الأثناء رأيت يده تنطلق سريعا إلى (غرشة) عبوة الميونيز إلا أنني نهرته وقلت له توقف لا تلمسها ! فسألني : متى أنا يحط ميونيز !! ولا كأني قايل له ما أريد مايونيز !! قلت له انتظر قليلا..
4- ضع الخضار - وضعه .. وأيضا اراد الميونيز فمنعته ..
5- ضع السندويشة الآن في جهاز التسخين ! فثارت ثائرته وكأنه قد فقد أحد أولاده ! وصرخ في وجهي : أنت مافي يفهم ؟؟ شلون خلي في ماكينة وانا مايخلي مايونيز !
اضطررت أن أوافق على وضعه للمايونيز في تلك السندويشة والتي أخذتها ودفعت ثمنها، ووضعتها على طاولة المطعم للتمويه بأنني نسيتها هناك لعل الله يبعث من يأكلها غيري !!
خرجت من ذلك المطعم .. وتوجهت إلى كافتيريا صغير في آخر الشارع .. وقد (انسدت) نفسي عن الطعام .. وقررت أن آخذ سلطة (تبولة) .. سألت العامل الأسيوي أيضا وأظنه من نفس الفصيلة السابقة !
- رفيق ، هل لديك (تبولة) ؟
- أجابني بكل ثقة : نعم موجود ، لحظة واحدة ، وكانت ابتسامته العريضة تكشف على (ضرسين) يتيمين في فمه لم يكتب لهم الله عائلة يستانسا بهم .. وكانا في المساحة العلوية من (الحنك) ..
ذهب قليلا ثم جاءني عامل آخر ..
سألني : هل انت من طلب (تبولة) ؟
اجبته بنعم..
إلا أنه برر لي قائلا بأن ذلك العامل وصل للبحرين حديثا ولا يمكنه تفهم اللغة العربية، قلت له حسنا وما المشكلة الآن ؟
أجابني بسؤال آخر فاجأني به وصرعني أرضا : انت تريد تبولة ، ماهو التبولة؟ هل هو سندويش ؟؟
أخيرا اضطررت ثانيا أن أعود إلى الساحل وأنا محمل بأكياس (المينو) والبطاطس !!
.
قررنا في يوم من الأيام أن نغامر ونسافر عن طريق السيارة إلى القطيف .. ورتبنا الأمر أنا وصديقي السيد ناصر (الرادود) واثنين من منطقة كرباباد لأن أحدهما كانت لديه رخصة سياقة .. فرتبنا كل أمورنا واحتياجاتنا ، وبقي كيف سنعرف الطريق المباشر والأسهل إلى القطيف دون متاهات؟
سألنا صديقنا (علي مكي) الذي كان (شاطرا) في رسم الخرائط وبالفعل رسم لنا خريطة مبسطة تدلنا إلى المنطقة التي نريدها (الدخل المحدود) وهي منطقة تقع بالقرب من سنابس و تاروت بالقطيف ..
وضع لنا بعض العلامات المهمة التي سنمر عليها بالسيارة أثناء رحلتنا لنستدل جيدا على الطريق، وكان من ضمن هذه العلامات (إعلان كبير لشركة بيبسي) وأخبرنا بأننا في حال وصلنا إلى هذا الإعلان الضخم جدا جدا فإنه يجب علينا أن ننعطف يمينا وندخل إلى الجسر الذي يؤدي إلى المنطقة المراد الوصول إليها ..
انطلقنا ... تخطينا جملة من الجسور المرسومة في الخارطة .. ودخلنا لبعض الشوارع المذكورة والمنحنيات والمفترقات أيضا .. وبالفعل لمحنا من البعيد (لوحة إعلان البيبسي) التي ذكرناها سابقا .. وانطلقنا بأسرع ما يمكن بتلك السيارة العجيبة (داتسون موديل قبل الإسلام) .. وكانت السرعة وصلت إلى أكثر من الحد الممكن لها بحيث وصلنا إلى (100 كليو ) !! وكان الدخان ينبعث من السيارة التي لم تعتد أبدا على هكذا إجهاد .... فقطعنا مسافة طويلة ولم نقترب بعد من هذه اللوحة ..
من الطبيعي جدا أن ترى الأجسام الكبيرة جدا من بعيد وتتخيلها بأنها قريبة منك ، فكلما زدت من سرعتك ظننت أنك تقترب إلا أنك ترى المسافة تطول وتطول .. لكن لا تيأس أبدا .. فلربما تصل في لحظة من اللحظات إلى هذا الجسم الذي تتبعه ..
لكن لا تكن كما كنا .. فنحن نمتلك من الأمل الكثير .. ولم نيأس ونحن ننطلق كالسهم الطائش نحو هذه اللوحة الإعلانية الضخمة التي بدأت تبتعد عنا بدلا من أن تقترب ..
وبدأ النهار يتلاشى وتحمرّ السماء إيذانا منها بقرب حلول المغرب .. ونحن لازلنا نحمل من الأمل الكثير .. ونتبع اللوحة .. مرت حوالي نصف ساعة ولم نصل .. لكن بلطف الله ورعايته وصلنا أخيرا إليها .. إلا أننا لم نجد المنعطف اليمين الذي سيؤدي بنا إلى القطيف .. فقد اكتشفنا أننا ابتعدنا عن القطيف مسافة 50 كيلو متر ولم يتبق عن وصولنا إلى منطقة (الجبيل ) إلى 20 كيلو تقريبا ونحن منهكون جدا !!
كل ذلك بسبب هذه اللوحة الدعائية التي كنا نرغب في الوصول إليها ..لأننا لحقنا بلوحة البيبسي المعلقة خلف شاحنة تنقل عبوات منتجات الشركة إلى الجبيل .. فتبعناها ...
انصرع من القهقهات صديقنا القطيفي (وتدحن) ..
قال بأن الشارع أولا يسمى (أبو حدرية) وليس (حيدرية) .. ثانيا بأن الطريق الذي رسمه علي مكي في الخارطة لا يمر بهذا الشارع أبدا لأنه يؤدي بكم إلى دولة الكويت في نهايته !!
أسافر نحو الرحيل
ونحو الفراق
ولا أحمل اليوم زاداً
كزاد الأمل ..
أسافر نحو علا المستحيل
سأهجر قارب حلمي
سأترك قيثارة الأمنيات
وأحمل همي
وأذهب ..
أذهب
وأترك ذاكرتي في يديك
وأهجر قارب حلمي
على ضفتيك
سأرحل دون رجوع
ولن أنظر المستحيل
سأهرب
لا من رجوع
وأوصيك من كل عيني
بأن الجفاء سينسيك اسمي
لأدعو بأن يطبع الحب
اسمي
على شفتيك
لأني ..
سأهرب منك إليك ....
.
أن تفكر ذات مرة في زيارة لـ(قرية الدراز) وأنت لا تملك خارطتها المفصلة التي قد تساعد في إنقاذك من التيه بين أزقتها و(دواعيسها)، فتلك مغامرة خطرة قد تعيش باقي عمرك نادما عليها!!
فالدراز، هي أكبر قرية في البحرين (على حد معلوماتي القديمة)، وفيها من المتاهات والأزقة والطرق المتعرجة والغير معبدة والتي أهملها المسؤولون في الوزارات المختصة عمدا لهذا اليوم، ما يكفي لأن يضيع فيها المرء – غير الدرازي- ربما لساعات طويلة !!
وقد تصادف في طريقك وأنت (تائه) العديد من الغرائب والطرائف والرعب أحيانا! وقد تصطدم ببعض المواقف مع قاطني المنطقة وخصوصا الساكنين في أريافها..
بالضبط هذا ماحصل لنا .. ففي نهاية الثمانينيات، كانت الدراز لازالت المنطقة الأكثر (وعورة) في طرقها، ولم يكن آنذاك قد شيّد عند مدخلها (الدوار) الحالي، لذلك فمن الخطر أن يجازف أمثالنا ونحن (شلة) من الصبيان نجوب القرى على دراجاتنا.. فلا مناص أمامنا غير أن نسلك (شارع النخيل) الذي يقطع وسط القرى الشمالية ابتداء من كرباباد مرورا بكرانة عبورا بمنطقة باربار حتى نصل إلى الدراز وندخلها بدراجاتنا (الأبية المقدامة) التي لا تكل ولا تمل من صعوبة الدروب ..
كان (ساحل أبو صبح) حينها مملوء بالنفايات وأنقاض المنازل المهجورة يحيث يقرأ الزائر لهذا الساحل التاريخي العظيم منذ الوهلة الأولى إهمال الجهات الرسمية المختصة في الدولة للبيئة الطبيعية في المناطق التي تعد ضمن القوائم السوداء نتيجة لمواقفها المعارضة لبعض السياسات، وأيضا ربما لأنها لاتعتبر محط أنظار السائحين!.. في حين ترى المبالغة في الاهتمام بمناطق أقل أهمية لا لشيء إلا لأنها مناطق (لاتهش ولا تنش)..
دخلنا إلى وسط الدراز (رض) ... لم نكن نستغرب وجود هذا الكم الهائل من (الماعز والبقر والحمير) في كل زوايا الدراز في تلك السنوات، فلا نكاد نقطع 200 متر دون أن نرى إحدى المواشي أو الطيور الداجنة! فمنذ صغرنا ونحن نسمع أن الدراز مرفأ خصب لتربية الحيوانات والماشية..
وبدأنا نقطع الأزقة والطرقات (الزرانيق) ونحن نتمازح فرحا وفضولا.. إلى أن اكتشفنا أننا قد (ضعنا)! بدأ الظلام يلقي برداءه المخملي على رؤوسنا، وبدأت خيوط الشمس تنسل عن أشعة بنفسجية أو كما كان بعض أهالي القرى يسمون هذا اللون (بيلجاني) نسبة إلى قربه من لون (الباذنجان)! وبدأنا نتخبط في سياقتنا لدراجاتنا! وكنا نخرج من زقاق لنكتشف أن هذا الزقاق قد أودى بنا إلى زقاق أكثر متاهة من سابقه!
وفجأة.. خرجت علينا طفلتين ريفيتين بمعنى الكلمة.. فلباسيهما يوحي إليك بأنهما قد تكونان تسكنان في أوساط مزرعة ريفية جميلة، كانت أعمارهما لا تزيد عن 10 سنوات !
هاتين الطفلتين قطعتا علينا الطريق ولم تكترثا حين مرّتا على الدراجات في سرعة مما اضطرنا إلى أن نتوقف فجأة، والحمد لله الذي أنجانا وأنقذهما من حادث كان لابد أنه سيقع حتما لو لا اللطف!
أردنا ان نعنفهما على هذا التجاوز واللامبالاة، لكنهما لم تديرا وجهيهما لنا حتى ولم تعتبران أنهما كانتا على خطأ وأنهما كانتا ستتسببان في مجزرة قد تثور بعدها الروح القبلية وقد تمتد حرب انتقامها إلى قعر السنابس فتسيل الدماء (للركب) وتعلن المقاطعات بين القريتين الشقيقتين !
كانت صدمة كبيرة بالنسبة لنا.. حين استرقنا السمع لهاتين الطفلتين، حيث كانت إحداهما تضحك بقهقهات متعالية وفيها شيء من الفرحة العارمة والتفاؤل المديد وهي تقول لصديقتها باللهجة الدرازية الأصيلة: (باركي لينا، اليوم ولدت حمارتنا ويابت لنا حمارة نفية صغيرة)!! وهي تقصد أن حمارتهم قد رزقت (بجحشة) صغيرة.. وقد كانت تتلقى التهنئة الحارة من صديقتها التي كانت ردة فعلها (الطبيعية) على هذا الخبر أن قامت باحتضان صديقتها وقالت لها بصوت أكثر علوا (مبروك)!!
قلنا في قرارة أنفسنا : تتربى في عزكم .. وتكون من الذرية الصالحة لأمها الحمارة !
أهم شي طلعنا منها سالمين لافاقدين ولا مفقودين!!
مر حوالي اسبوعين على انقطاعي عن العالم الخارجي ومتابعاتي للأخبار والأحداث بسبب انشغالي بالتحضير إلى الامتحانات الجامعية والحمد لله قد انتهت على خير..
لكن حينما عدت إلى أرشيف الأخبار المحلية والعالمية رأيت الكثير قد فاتني من الأحداث المهمة في هذا الكون، ومن ضمنها انتخبات لبنان، وتطورات مرض انفلونزا الخنازير، وقضايا أمنية وجنائية حصلت داخل البحرين ومحاكمات في مختلف القضايا واهمها قضية المعامير (يعرفها البحرينيون فقط والمتابعون للشأن البحريني المحلي)!..
ولكن أهم ما فاتني هو الجولة الشرقي أوسطية والخطبة الشقشقية العظيمة للرئيس الأمريكي أوباما والتي ألقاها يوم الخميس في مصر، وأنه قد بدأ خطبته التاريخية بآيات قرآنية وأحاديث شريفة ! ولعله كان ينوي أن يستشهد ببعض الأبيات الشعرية لأحمد شوقي وبعض الامثال الشعبية ولكن نعذره فلربما كان وقته ضيقا ولا يسع!
أظن أنه لبعض الانشغالات فقد قرر أن يلقي خطابه يوم الخميس بدلا من الجمعة وإلا لكان إمام الجمعة حينها ويصلي الرؤساء والمسؤولين بإمامته لتكون (صلاة الجمعة التاريخية) كذلك !!.
وعقبال نشوفك في العمرة يابو حسين!!
بالمناسبة، فقد أرسل لي أحدهم هذه القصيدة - في الفيديو المرفق - وهي لشاعر عراقي مشهور جدا .. يوصل رسالة لأوباما بأسلوب شهري فكاهي جدا .. فأحببت ان تشاروكوني سماعها والتفاعل معها ..
(اعذروني على عدم ذكر اسم المطعم .. فصندقتنا لا تعلن ولا تروج لأي مشروع ولا تقوم بالدعاية له).
.
.
كم أشتاق لزيارة مدينة الإحساء الجميلة، وكم تراودني هذه الأيام ذكريات آخر رحلة قمت بها إلى ربوع هذه المدينة الرائعة قبل سنتين تقريبا مع ثلة من الإخوة المؤمنين الأعداء .. وكم كانت لنا بطولات في ذلك اليوم الترفيهي الذي حاولت أن أستغل كل لحظة فيه استغلالا مناسبا ..
وفيما يلي أسرد لكم بعض بطولاتنا هناك :
1- منذ الليلة التي سبقت الرحلة .. اتفقت مع أحد المنظمين لها أن يأخذني معه بسيارته إلى موقع انطلاق الحافلة .. على أن يكون متواجدا أمام منزلي عند الساعة 5:45 فجرا .. إلا أنه غدر بي وأخلف وعده .. وجاءني في نفس الوقت المتفق عليه لكن كان تلفوني مغلقا لأنني أنا نــائم. (انا شنو ذنبي يعني ؟)
2- حين ركبت الحافلة .. وبمجرد انتهاء إجراءات الجمارك على جسر البحرين والسعودية .. تسلم أحدهم (الميكروفون) وقام بقراءة بعض الجلوات والأناشيد .. وقمت بالتفاعل معه لدرجة أنني (تعبت ونمت) حتى وصولنا إلى الإحساء !.
3- عندما وصلنا إلى الإستراحة في الإحساء .. توجهت مباشرة إلى أداء صلاة الظهر (بدون رياء)، وكلكم تعرفونني جيدا كيف أحافظ على أوقات الصلاة (خصوصا لما تكون بس ركعتين قصرا بعد التخفيض الإلهي بنسبة 50% لكل مسافر). وبعد الانتهاء من الصلاة قمت بتبديل ملابسي وارتديت ملابس السباحة وكنت أنوي التوجه إلى (بركة السباحة) إلا أنني مررت بإحدى الغرف المكيفة .. وجلست فيها قليلا .. ونمت ..
4- أيقظني بعض الأصدقاء .. فقد حان وقت الغداء ، قمت مباشرة والجوع يسبقني إلى تلك (الصينية) وتناولت نصيبي من الطبق... ونزلت إلى القاعة قاصدا (بقلب صاف ونية خالصة) التوجه إلى السباحة في تلك البركة .. لكن أحدهم ناداني لأسقيه كأسا من الماء، وكلكم تعرفون (مروءتي وإيثاري رضي الله عني ودام ظلي وجعلني الله لكم ذخرا وشرفا وكرامة ومزيدا)!! فقمت بسقيه الماء .. وجلست قليلا بجانبه أنتظر الكأس .. لكنه تأخر وهو يشرب ، فما كان مني إلا أنني (انسدحت) ونمت ...
5- أيقظني (الحملدار) صاحب الحملة والمنظم لها ، وقال لي إن الجميع توجهوا إلى الحافلة إلا أنت ! فقمت مذعورا فزعا .. وأخذت حقيبتي وبدلت ملابسي وتوجهنا مباشرة إلى حديقة الحيوان ..
6- جاء أحد الإخوان (من البحرين ويعمل في الاحساء) بسيارته الخاصة، سألته منذ متى لم تزر البحرين؟ ومنذ متى لم تزر خطيبتك؟ عندها بدأ الشوق يأخذه إلى هناك حيث الحنان والدفء .. وبدوري أنا حينما لمست فيه هذا الشعور بدأت (أسوّل له) وأحثه على التوجه إلى البحرين حالا !! وطلب مني أن أرافقه الدرب .. ولبيت دعوته وانطلقنا بالسيارة نحو البحرين .. وفي طريق العودة .. نمت مجددا وتركته يقود السيارة !! وأيقظني عندما وصلنا إلى حدود البحرين!
في ليلة ليلاء من أوساط شهر ديسمبر الشتوي القارس إبان الغزو العراقي الغاشم للشقيقة الكويت. تواعدنا نحن الأصدقاء الأربعة عند (الدالية) بالقرب من حسينية بن خميس، والتقينا في الوقت المحدد بحيث أخذت على دراجتي الهوائية واحد من الصديقين والآخر أخذه ابن عمتي معه على دراجته ..
كانت الوجهة هذه المرة نحو الحديقة الصغيرة الكائنة عند أطراف السنابس أو هي أقرب إلى البرهامة وتطل على (دوار اللؤلؤة)، كنا نطلق على هذه الحديقة (حديقة الفقراء) لافتقارها الواضح إلى كل انواع أدوات الترفيه .. فقط كانت تحتوي على أرجوحتين فقط (مرجحانتين) ، ومزلاق (زلحانية)، وميزان واحد ومايقارب من 8 كراسي غير مظللة ..
كان الأهالي يقصدون هذه الحديقة على استحياء إلا أن البلد في تلك الفترة لم يكن فيها ملاهٍ ولا مناطق ترفيهية مخصصة، لذلك ينقسم الناس بين هذه الحديقة ومثيلاتها من الحدائق القليلة المنثورة على بقاع البحرين وجميعها في نفس المستوى ، والبعض الآخر من الناس كان يقصد السواحل (سابقا ولم نقل هذه الأيام كي لا تختلط عليكم المعلومات) للترفيه ..
فقد كانت السواحل تكتظ بالأهالي والعائلات والأطفال والصيادون .. والمفارقة الواضحة بين تلك الفترة وهذه الفترة أن الجيل الحالي أصبح لا يعرف معنى كلمة (ساحل) فكل سواحل البلاد دفنت وشيدت على انقاضها المراكز المالية التي تدر على البلاد الخيرات ... :d لتتواكب مع ما يطلبه العصر الحالي، فما فائدة السمك والزفر في عصر التقدم والازدهار ؟؟
انطلقنا بدراجاتنا المباركة عند حوالي الساعة الثامنة مساء ووصلنا خلال ربع ساعة بعد معاناة من الاصطدام بالتيار الهوائي البارد والقوي ومقارعتة، وبقينا نمارس حريتنا الطفولية في اللعب والفوضى هناك على تلك الحشائش الخضراء التي لم تصدق ان الشتاء هطل عليها مرة أخرى لأنها كانت ستقضي باقي أنفاسها حسرة بدون رعاية من الجهات المختصة التي لم تكلف نفسها يوما بسقاية هذه الأعشاب اليتيمة .. ولا حتى رشها بالأسمدة التي يستغني عنها كل أصحاب الحظائر ويلقوها لتفوح روائحها العبقة وتغطي أجواء القرى الريفية آنذاك !!
أخذنا السهو باللعب والتسلية والضحك والمزحات ولم يفكر أحدنا أن ينظر إلى ساعته لمعرفة ما إذا كنا تأخرنا أم لا ، فأهالينا لم يكونوا يسمحون لنا بالتأخر لأكثر من الساعة العاشرة ليلا خصوصا أن في تلك الفترة كان الوضع الأمني في منطقة الخليج غير مستقر بسبب إقدام قوات التحالف على الهجوم على الجيش العراقي لتحرير الكويت في عملية ضخمة أطلقوا عليها (عاصفة الصحراء) .. وكانت (صافرة الإنذار) تقرع بين الحين والآخر لتعلن حالة الخطر ..و بعد حين تقرع مرة أخرى لتعلن انتهاء الحالة ..
وفعلا حدث ماكنا نتوقع حدوثه في أي لحظة .. أطلقت صفارة الإنذار ..
كانت هذه الصافرة معلقة أعلى برج مركز المطافئ الكائن بالسوق لمركزي بالنعيم. وبمجرد سماع صوت الصافرة لاحظنا وبسرعة مذهلة كيف اختلت أجواء تلك الحديقة المكتظة بالناس .. وبقينا لوحدنا نحن الأربعة لا ندري ماذا نعمل وكيف نتصرف وأين نلوذ بأنفسنا لتجنب الخطر القادم !!
امتطينا دراجاتنا بسرعة وانطلقنا نحو العودة إلى المنزل .. لكننا الآن فقط انتبهنا إلى أننا تجاوزنا الحد المسموح لنا به من الوقت فكانت الساعة 12 ليلا !
يا لهوتييييييي.. كيف نرد على غضب أهالينا وكيف نبرر لهم هذا التأخير ؟؟
عدنا بدراجاتنا والخوف يسبق دوس خطواتنا على تلك التروس الصادئة ونحن نفكر في (تهزيئة الأهل) و في صافرة الإنذار المدوية بأعلى صوتها حتى أن أسلاكها الصوتية وبلاعيمها ستتقطع من قوة صراخها المزعج !! وإذا بنا نرى سيارة والدي قادمة من بعيد.. كان يقيننا أنهم خرجوا للبحث عنا وربما توقعوا تواجدنا في تلك الحديقة ..
في هذه الأثناء راودني الفكر الإعجازي العظيم! فاقترحت على الأصدقاء أن نقوم جميعنا (بتغيير الوقت في ساعاتنا ) وأرجعنا الوقت إلى (9 مساء) .. ذكاء غير طبيعي ماشاء الله علينا .. وهل يعقل أن تتأخر ساعات 4 أشخاص فقط بين كل شعب البحرين ؟؟ معجزة !
وصلت سيارة الوالد إلينا .. كان أبي وأمي في المقعدين الاماميين ، وعمتي في المقعد الخلفي من السيارة .. توقفنا بدراجتينا وبدأنا بالتبرير بأن الوقت ليس متأخرا والدليل ساعاتنا التي لازالت تشير إلى التاسعة فقط !.. إلا أن عمتي لم تمهلنا الوقت الكثير ..
و ..
و .... ووو
بصقت (تفلت) بكل ما تملك من قوة دفع قاصدة إصابة وجه ابنها ..
لكن حدث ما لم يكن بالحسبان ..
قوة التيار الهوائي (الهواء شمال) كانت قد غيرت مجرى (ماء الورد الأخضر) من وجه ابن العمة (...) إلى فم صديقنا (...) وبدأ بالتقيأ فقد امتلأ فمه حد الطفح .. وحرّم بعد ذلك الالتحاق بركب قافلتنا وأصر على إكمال المسيرة زحفا على الأقدام نحو منزله .. وقد باءت جميع محاولاتنا لردعه عن قراره بالفشل، حتى أننا حاولنا إقناعه بأن ما أصابه هو نوع من البركات التي نادرا ما تحل على العباد!!
أما حين عدنا للمنزل فقد قامت والدتي بمعاقبتي بإفراغ الهواء من إطارات دراجتي بمسمار غليظة .. (بنچرتهم) .. وهددتني بكسر (المقود) إن تكرر عنادي !!
تابعونا
الحزن .. واستقاء الأمل
خبأت في قلبي نزيف حياتي
وقضمت همي واشتعلت بذاتي
لتعود قافلتي لمرفأ نبضها
وتنام في جفني حروف حياتي
قد كنت بارجة تداعب ماءها
وترتل الأمواج مثل صلاةِ
فأفقت من حلم جميل في الحشا
غرس الجذور الصم في شتلاتي
بقلم/ علي الملا
=====================================
( فقط أحببت أن أضيف كتذييل )
كان مصروف الواحد منا 50 فلسا حين كنت في الأول ابتدائي .. وكان العام الدراسي (1983 - 1984 م ) ربما قبل ميلاد الكثيرين منكم .
وبعد التمرد والعصيان المدني المتكرر بدأنا نضغط على الأسرة وسعوا إلى إدخال بعض الإصلاحات الاقتصادية في ميزانية المصروفات فأقرت الإدارة العامة للشؤون المالية ( في بيتنا ) أن يتم رفع المصروف اليومي لكل منا بنسبة تصل إلى (100%) أي الضعف تماما .. وهذا يعتبر إنجاز عظيم على مستوى الديمقراطية التي نتمتع بها في محيط دولتنا الصغيرة (بيتنا) ..
وبمجرد انتقالي إلى الصف الثاني وصل مصروف الواحد منا يتراوح بين (100 - 200 فلس) ..
وبدأ الاقتصاد ينتعش شيئا فشيئا حتى وصل المصروف في المرحلة الثانوية إلى 500 فلس .. في عهدي الزاهر ..