(اضغط هنا لقراءة الجزء الثاني)
أحسست بأن الدنيا بدأت تزرقّ .. وتتدرج سريعا داكنة إلى أن اسودّت بكاملها .. قلبي لم يشأ أن يبقى لمدة أطول وهو في موضعه الطبيعي .. فقد ارتعد هو الآخر وفر هاربا إلى حيث مستقره ومثواه عند أخمص قدميّ .. فالخوف والهلع (سيدان إن قربا مني أو فررت منهما)..
شعرت من شدة الخوف والارهاق النفسي بأن (الشيب) بدأ يدبّ بشكل سريع في كل شعر بدني .. وإني لأعترف إليكم أن هنالك (شعرتين في أنفي تحولتا إلى أبيض) . وشعر رأسي بدا أبيضا بتمامه وكماله كما لو كان (كليو شعر بنات من دكان حجي خليل العسكري رحمه الله)!!.
حينها اقتنعت تماما بما يصوره لنا (فقهاء علم الأفلام الكرتونية ) لكأن يشيب أحد الأشخاص الكرتونيين أو أن يصغر حجمه في لحظات الحرج أو الخوف !!.
بضع ثوانٍ ولربما بضع لحظات وأنا أختطف النظر إلى وجه أخي بذهول ! استرجعت شريطا كاملا من الذكريات (الأكشن) الأليمة التي مررت بها سابقا في موقف مشابه عندما كنت في الابتدائية ..
كنت آنذاك لازلت ناعما بأظافري .. وكنت في الصف الأول الابتدائي حين كان شقيقي (حسن) الذي يكبرني بـ 5 سنوات تقريبا والذي كان في الصف السادس الابتدائي .
فالتاريخ يعلم جيدا كيف اعتاد الجيل (الدينصوري) القديم الذي عاصرناه آنذاك ، على أن يتغيب معظم الطلاب (الأقوياء) من المدرسة بحجة أن هذا اليوم وفاة أحد الأئمة ، وكأن من يسمع تبريرهم يرى منهم الحضور المكثف في مآتم وحسينيات مناطقهم !. إلا أن أهلي لم يكن في قاموسهم هذا العذر مقبولا ولا مبررا على الإطلاق ، لذلك كان أخواي ناصر وحسن ينطلقان من قوة إيمانهم بالقاعدة: ( فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه )، فيضطران إلى التسرب من المدرسة في هذه الأيام التي من يهرب فيها ( فإنها من تقوى القلوب )..
ذات يوم كانت مناسبة وفاة أحد الأئمة ، وقد حان وقت العمل بقاعدة الاضطرار (اللازمة والواجبة) وجوبا عينيا كما هو منصوص عليه بتأكيد في روايات الطلاب العقائدية آنذاك، فقرر أخي (حسن) أن لا يحرمني جزء من هذه (الكرامات) وطلب مني أن أتغيب معه ..
وبالطبع فإن العقل المدبر لهذه العملية (الاستشهادية - البطولية ) هو أخي ناصر (كبيرهم) الذي علمهم (الشردة - والغدر) .. صاحب المناقب العظيمة والمقالب الجسيمة المنصور بالشلخ والمؤيد بالتطنز المسدد بالملل.. (وهو بعينه الشخص الذي يلحقني في هذه اللحظة وأنا متسرب من الاعدادية )..
وبالفعل تغيبنا أنا وأخي حسن . وكان أخونا ناصر ينتظرنا عند باب أحد المنازل المهجورة (بالقرب من حسينية بن خميس ) وقد أعد خطة (اللجوء السياسي والتمويل الغذائي والتغطية الأمنية ) لهذا اليوم العظيم !! وبالطبع فإن الخطط وضعت سلفا لهذا (المقلب الاجرامي) الذي جعل من جسدي الطاهر وجسد أخي المبارك محطتين دسمتين لاستراحة (الهوز البلاستيكي) جراء هذا المقلب!!
تفاصيل المقلب الأول في الحلقة القادمة ...